فإذا هوي القلب بقلم منال سالم الجزء الأول
في حياتها.
مر الوقت بطيئا عليها وهي تراقب الوافدين والخارجين بنظرات شاردة..
لمحت إحدى الممرضات تتحرك على مقربة منها فهبت واقفة من مكانها لتسألها بتلهف
أجابتها الممرضة بنبرة عملية
لسه شوية اقعدي ولما هايخلص هناديلك
هزت رأسها متفهمة وهي ترد بصوت حرج
عاودت الجلوس على مقعدها المعدني بإسترخاء وتابعت المرضى وذويهم بنظرات فاترة فتفكيرها بالكامل منصب على ما يحدث بالداخل لأمها...
بعد وقت ولجت الممرضة مرة أخرى للخارج وتلك المرة اتجهت نحوها.
ماما خلصت
أجابتها الممرضة بهدوء
أيوه الدكتور هيقابلك في مكتبه!
تعالي ورايا من فضلك!
طيب
تحركت الاثنتان في اتجاه غرفة الطبيب القابعة في نهاية الرواق الجانبي..
ابتلعت الأخيرة ريقها بتوتر وحدقت في الطبيب بنظرات خجلة..
انتبهت لصوته يقول بجدية
رفعت انظارها نحو والدتها التي كانت تدفعها ممرضة أخرى من مقعدها لتقترب من مكتب الطبيب..
هتفت أسيف بتلهف وهي تركض ناحيتها
عاملة ايه يا ماما
ثم انحنت عليها لتقبلها من أعلى رأسها.
وضعت حنان يدها على وجه ابنتها ومسحت عليه برفق مجيبة إياها بخفوت
بخير يا بنتي!
أشار الطبيب بيده لأسيف لتجلس قبالته قائلا بصرامة قليلة
اتفضلي يا آنسة!
أومأت برأسها
إيجابا وجلست على المقعد المواجه لمكتبه ثم وزعت أنظارها بينه وبين أمها وهي تتساءل باهتمام
خير ماما حالتها كويسة و... وهل ينفع يتعملها عملية ترجع تمشي على رجلها تاني
صمت الطبيب للحظة قبل أن يجيبها بهدوء مريب وهو يسلط أنظاره على السيدة المسنة الجالسة قبالته
بالنسبة لسنها ووضعها الحالي فأنا شايف إن الحالة تعتبر إلى حد كبير مستقرة لكن أكيد محتاجة علاج عشان تتحسن!
لم تفهم أسيف المراد من كلامه المنمق فسألته مباشرة
يعني ماما هاتقدر تمشي زي زمان
ضغط على شفتيه قائلا بحذر
مخبيش عليكي ده صعب في حالتها لكن....
قاطعته حنان قائلة بنبرة محبطة
أنا عارفة من الأول إنه زي قلته وقولت مافيش داعي للسفر والپهدلة كله محصل بعضه!
حلت الصدمة على قسمات وجه أسيف لم تتخيل صعوبة الحالة بتلك الدرجة..
عجزت لوهلة عن التفكير فقد كانت معلقة لآمال كثيرة على علاجها ومن ثم تماثلها للشفاء والآن بات كل هذا شبه مستحيل..
تدارك الطبيب الموقف متفهما أسلوب مريضته المحبط وهتف قائلا بجدية
يا حاجة مافيش حاجة مستحيلة الفكرة بس إن الموضوع هيحتاج وقت وصبر ومايمنعش إننا ممكن نوصل مرحلة متقدمة وآ....
لم تدعه حنان يكمل جملته للنهاية حيث قاطعته مرة أخرى قائلة بحسم وقد تجهم وجهها للغاية
مالوش لازمة يا بني كتر خيرك!
ثم وضعت يديها على عجلتي مقعدها المتحرك لتدفعه مرددة بصوت آمر لكنه مخټنق
يالا يا أسيف!
أفاقت أسيف من ذهولها المصډوم على صوتها الآمر واستدارت برأسها نحوها لتجدها تتحرك مبتعدة فنهضت سريعا من مكانها قائلة برجاء ومحاولة إخفاء تأثرها
يا ماما استني!
لم تلتفت لها أمها وأكمل تحركها مرددة بصرامة
يالا يا بنتي!
أدارت أسيف رأسها في اتجاه الطبيب قائلة بحرج بائن
أنا اسفة يا دكتور عن اذنك!
لحقت هي بوالدتها في الخارج وقبل أن تفتح شفتيها لتنطق بجملة ما صاحت حنان بغلظة محذرة إياها
أسيف ولا كلمة دلوقتي!
احتجت أسيف على عنادها مرددة
بس....
هتفت حنان مقاطعة إياها بحزم
خلاص مش عاوزة أحكي في حاجة دلوقتي خلينا نرجع اللوكاندة!
نكست أسيف رأسها بحزن وبدا الإحباط الممزوج باليأس واضحا عليها..
تنهدت بعمق قائلة لنفسها بأسف
ليه بس كده يا ماما ليه تفقدي الأمل واحنا لسه في أول مشوارنا!
سارت بتريث خلف والدتها وظلت أنظارها اللامعة التي تعكس حالتها المستاءة متجمدة على مقعدها المتحرك.. وقاومت بجهد كبير ذرف عبراتها وهي بصحبتها فلا داعي لأن تبدو بكل تلك الهشاشة وهي تحاول بث القوة إليها..
.............................
تمكنت زوجة صاحب محل الجزارة من إخراج زوجها من محبسه بكفالة مالية وأوصاه المحامي الخاص به بضرورة التصالح مع المدعية عليه وإجبارها على التنازل قبل أن يتطور الوضع ويتفاقم..
رفض الجزار الإنصات له وصاح بحدة متوعدا إياها
يا مين يلايمني على رقبتها ده أنا أدبحها بساطور تلم!
ردت عليه زوجته بضيق محاولة إثناءه عن تهوره
وده وقته! جاي تكلم قصاد القسم
رد عليها بحنق كبير
ده أنا شوفت پهدلة جوا!
أردف المحامي الخاص به قائلا بهدوء
انت محتاج تراضي البت دي عشان القضية ماتكبرش
احتج الجزار مرددا بغلظة عنيدة
مش هايحصل يا أنا يا هي
انزعجت زوجته من عناده المهلك قائلة بصوت مرتفع
أوف ما تفضنا من سيرة البت دي أنا مصدقت أعرف أخرجك من المخروب ده هاتحطها في دماغك وټتسجن واحنا نتبهدل من بعدك!
رد عليها بنبرة عدائية وقد أظلمت نظراته
هو أنا هارتاح إلا لما أرميها الرامية السودة اللي كنت فيها!
أصرت هي على موقفها قائلة
سيبك منها وركز في مصالحك!
تمتم الجزار بغيظ من بين أسنانه وهو يحك مؤخرة رأسه
دي قادرة وڤاجرة!
ربتت زوجته على ظهره عدة مرات هاتفة بصوت جاد
طب بينا على البيت تروح تستحمى وتغسل جتتك
من البراغيت
حك عنقه ومقدمة صدره بكفه الخشن قائلا بإنهاك
اه والله ده غير ضهري اللي اتقطم من نومة البورش!
ثم استدار بجسده ناحية المحامي ليضيف بجمود
لا مؤاخذة يا أستاذنا انت شايف حالتي عاملة ازاي نتكلم في المحل أخر النهار
رد عليه المحامي بإيجاز وهو يهز رأسه
تمام!
لاحقا
عادت كلا من حنان وأسيف إلى الفندق المتواضع وجلست الاثنتان سويا بالغرفة رافضتان تناول الطعام..
حدقت أسيف في صحنها المليء بالطعام بنظرات حزينة شاردة فشاغلها الأكبر هو حالها أمها الصحية.. وبعنادها هذا هي تمنع أي فرصة للسعي وراء العلاج وطلب الشفاء..
رأت حنان العبوس واضحا على ابنتها فاستطردت حديثها قائلة بجدية
شوفي يا أسيف أنا سمعت كلامك وجيت هنا وأنا متأكدة إن مافيش علاج لحالتي كل ده قضا!
انتبهت ابنتها لها وردت عليها بصوت مخټنق نوعا ما
الطب اتقدم يا ماما وحاجات كتير اتغيرت عن زمان فليه تستسلمي على طول
أجابتها أمها بهدوء زرين
أبوكي الله يرحمه عمل اللي عليه وقتها معايا وسافر بين هنا وهناك وفي كل حتة والنتيجة كانت واحدة..!
ثم صمتت لثوان قبل أن تتابع بنبرة أكثر هدوءا
وأنا الحمدلله راضية بنصيبي واتعودت على كده!
اقتربت أسيف من أمها وچثت على ركبتيها أمامها لتكون في مستوى نظراتها المنخفضة ثم همست لها برجاء
عشان خاطري يا ماما خلينا نحاول تاني في أكتر من مركز كويس احنا لسه في البداية!
ثم مدت يديها لتمسك بكفيها وضغطت عليهما بأصابعها وهي تتابع بإلحاح
أنا قريت أنه مش لازم ناخد برأي أول دكتور و....
قاطعتها حنان قائلة بعدم اكتراث لحديثها
المهم دلوقتي هانروح لعمتك امتى
اتسعت حدقتي أسيف في صدمة وإرتفع حاجبها للأعلى فقد كانت عبارتها الأخيرة مباغتة بدرجة كبيرة..
تملكها الإرتباك وتوترت نظراتها وهي محدقة بها.
بدت متلعثمة وهي ترد
هو...
أكملت حنان قائلة بنبرة متريثة تحمل الجدية
مش ده السبب الأساسي اننا سيبنا بيتنا وجينا هنا
رمشت أسيف بعينيها في توتر أكبر.. فأمها دوما تمتاز بالصراحة والوضوح في حديثها.. وبالتالي تعجز هي عن مجابهتها أو إخفاء أي شيء عنها..
اضطربت دقات قلبها وارتفعت نسبة الأدرينالين في دمائها.. وباتت أكثر حماسة عن ذي قبل..
راقبت حنان تبدل حالها بكثب ثم أضافت قائلة بجدية وهي تسحب كفيها من يدي ابنتها
اعملي حسابك بكرة هانروح عندها
أومأت الأخيرة برأسها بحركة خفيفة قائلة بصوت خفيض
ماشي يا ماما!
ثم استدارت بمقعدها المتحرك مبتعدة عنها وهي تغمغم بصوت منزعج لكنه خاڤت للغاية
عدي اللي جاي على خير يا رب!
عضت أسيف على شفتها السفلى بارتباك ونهضت لتقف على قدميها.. ثم تنهدت بعمق محاولة ضبط انفعالاتها المتحمسة لذلك اللقاء المثير!!!
أرادت ألا تضيع الفرصة وتفاتح ابنها مجددا في موضوع الارتباط والزواج هي وضعت عيناها على إحداهن وترى فيها الزوجة المناسبة له والأهم من هذا كله أنها تستطيع الانجاب لتضمن حصولها على أحفاد أصحاء في أقرب وقت..
ممكن أدخل يا منذر
قالتها جليلة وهي تقف على عتبة باب غرفة ابنها البكري ومستندة بيدها على الحائط..
الټفت منذر ناحيتها وهو يمشط شعره قائلا بتعجب من طلبها للإذن
اه طبعا يا أمي هو انتي محتاجة تستأذني
ابتسمت له ابتسامة عريضة ودخلت إلى غرفته لتتأمله بفخر كان قد انتهى هو تقريبا من إرتداء ثيابه.. ولم يبق لديه إلا وضع حذائه في قدميه..
جلست على طرف الفراش وأمسكت بملابسه المنزلية تطويها ثم رددت قائلة بحذر
كنت عاوزاك في موضوع كده!
رد عليها بهدوء وهو يربط حذائه
خير يا أمي!
تنهدت مطولا وهي تقول بعتاب خفي
مش ناوي تفرحني بيك وتتجوز تاني!
اعتدل في وقفته وضحك عاليا وهو يردد بإندهاش
انتي عندك عروسة ليا
انتابها الفضول لمعرفة ما يفكر به خاصة بعد أن رأت ردة فعله العادية فهتفت بحماس
بص هو يعني في كام حد بس انت مش في دماغك واحدة معينة صح
رد عليها بجمود وهو يضع مفاتيحه في جيبه
والله يا أمي أخر همي الموضوع ده!
نهضت من على الفراش لتقف قبالته ثم ربتت على كتفه مرددة بحنو
العمر بيجري يا حبيبي!
ثم أخفضت نبرتها قليلا لتظهر حزنها وهي تضيف
وأنا نفسي أفرح بعوضك وبعيالك !
زفر بضجر من تلميحها وهتف قائلا بجدية
ومين هترضى بواحد زيي
شهقت مذعورة من جملته الأخيرة لاطمة على صدرها وتبدلت تعابيرها للإنزعاج الكبير ثم هتفت مستنكرة
الله أكبر هو انت فيك حاجة تتعيب ده انت سيد الرجالة كلهم ومتعلم ومعاك شهادة تجارة!
التوى فمه بابتسامة ساخرة وهو يرد عليها
ياه يا أمي بقالي زمن ماسمعتش الكلام ده!
هتفت جليلة مرددة بحماس وقد لمعت عيناها
وافق انت بس وأنا أدورلك على واحدة تتجوزها
رد عليها بفتور
ربك يسهلها!
ثم دنا برأسه عليها ليسألها بمكر
بس قوليلي انتي بتفكري في مين شكلك عندك واحدة ليا ها مظبوط
ضحكت بسعادة ثم وضعت إصبعيها على طرف ذقنها لتقول بسجية
هو أنا باينة أوي كده
غمز لها منذر قائلا بتسلية
ده أنا عارفك يا أمي
أخذت نفسا عميقا وأخرجته دفعة واحدة من رئتيها ثم هتفت فجأة دون أي مقدمات
عارف نيرمين
بدا الاسم مألوفا نوعا ما لديه لكنه لم يستطع أن يخمن هوية صاحبته بوضوح فتساءل مهتما
مين دي
ردت بثقة
بنت عواطف البت الكبيرة!
تذكرها منذر وأردف قائلا بإستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيه بشدة
بس أفتكر إنها متجوزة!
صححت له معلومته قائلة بتلهف
لأ هي اطلقت من جوزها من كام يوم
ضاقت نظراته إلى حد كبير وتجمدت تعابير وجهه ثم هتف مستنكرا تفكير والدته في تلك الزيجة
وأنا أعمل بيها ايه أروح أصالحهم مثلا!
ردت عليه بحماس وهي تشير بعينيها
لا خلاص معدتش ينفع ترجعله هو طلقها للمرة التالتة!
فهم منذر سبب إشارة والدته لها تحديدا ورد بتهكم وهو يلوح بذراعه
اها قولتيلي وانتي عاوزاني أكون لا مؤاخذة إريال و....
قاطعته قائلة فورا قبل أن يسيء فهمها
لالالا مش كده خالص!
سألها باقتضاب وقد بدا متأففا
أومال
أجابته بحذر
البت كويسة وحلوة ولهلوبة وفوق ده كله مخلفة بطنها شغالة يعني.. فاهم قصدي!
أرجع رأسه للخلف ورد عليها بصوت آجش
بقى الموضوع كده! مخلفة عيال!
بالطبع لما لا تلجأ والدته إليها لتتأكد من وجود