رحله الأثام بقلم منال سالم
البغض واسودت نظراته إليه فطالعه بنظرة ممېتة لا تحوي إلا كل ما هو مفزع حين صړخ الصغير مرة أخرى طالبا النجدة من أبيه أخرسه غليظ القلب بأمره الصارم
ماسمعش حسك!
غريزيا انطلقت من أعماقه نداءات الاستغاثة بمن كانت تحنو عليه مؤخرا خاصة بعدما لم يجد أي جدوى من أبيه فراح يردد بارتعاب
ماما أنا عاوز ماما!
رد عليه باستخفاف زاده فزعا على فزع
لحظتها بدا وكأنه يرى الوجه الحقيقي لذلك الۏحش الكاسر تبرز أنيابه من فكيه بدلا من أسنانه انتفض في ړعب
مضاعف عندما واصل ممدوح تهديده إليه
إنت موجود هنا تحت رحمتي!
ارتجف كامل بدنه ولم يجرؤ على الصړاخ فقد أدرك أن استغاثته بلا جدوى في اللحظة التي شرد فيها أوس غارقا في تخيلاته المخيفة كان ممدوح قابضا عليه من كتفه ضغط على عظامه الهشة بشراسة متعمدا إيلامه ثم سدد له نظرة أكثر إرعابا وهو يهمس له
تراقصت بسمة شيطانية على شفتيه سرعان ما اتسعت لتخيفه وهو يكمل وصلة تهديده
زي ما أبوك بيعمل في الخدامة اللي فوق!
ومض عقل أوس بلمحات خاطفة ومتداخلة لمشهد المربية وهي تصرخ بتأويهات مكتومة قبل أن يبصرها وهي مقيدة إلى الفراش تنازع للتحرر من قيدها بعفوية بريئة حاول الصغير مبادلته الټهديد
أنا هقول لماما عليك
مش هتقدر تعملي برضوه حاجة
من ثقته الزائدة تيقن الصغير أنه هالك لا محالة وما دعم ذلك الشعور ما فاه به في صيغة تساؤلية
تعرف الأحسن من ده إيه
بلا سؤال نطقت عينا أوس بالكثير فاستغل الفرصة
إني أقطع حتة من جسمك وتبقى عاجز!
برقت عيناه ارتعابا فأضاف على نفس المنوال ليضمن بقائه صامتا
هوى قلبه في موضع قدميه هلعا من حديثه الذي نجح كليا في زعزعة عالمه وإشعاره تماما بالوحدة والضعف خاصة حينما امتدت يده الأخرى لتقبض على ذراعه حمله بخفة وألقاه على الفراش قبل أن يثبته ببساطة من صدره بقبضته القاسېة حدجة بنظرة خالية من الحياة وأمره بلا صرامة
اللي شوفته في أوضة أبوك يتنسى ولا كأنه حصل مفهوم
شكلك ما بتفهمش بالكلام بس إيه رأيك أوريك أنا هعمل إيه فيك!
كان على وشك إيهامه بأنه قادر عليه بدنيا دون أن يجرؤ أحدهم على منعه من إحداث أدنى أذى به نظرته وطريقته وملامحه الموحية أكدت ذلك بقوة لحظتها ومن شدة خوفه بلل الصغير ثيابه التحتية معتقدا أنه سيستأصل قطعة منه ما أوقفه قبل أن يشرع في تنفيذ ذلك صوت قرع الجرس نظر إليه مجددا قبل أن يرفعه عن الفراش ويلقيه أرضا بخشونة قائلا بابتسامة لئيمة
انطرح أوس أرضا متأثرا بالسقطة العڼيفة فضحك ممدوح ساخرا منه ثم غمز له بطرف عينه متابعا
فلت المرادي مني!
اتجه بعدها إلى باب الغرفة ليفتحه وقبل أن يخرج
استدار برأسه لينذره بنبرة لم يغب عنها العدوان
أحسنلك ماشوفكش!
من طريقته الصارمة لم يكن بممازح معه بمجرد أن انصرف استند أوس على مرفقيه لينهض ثم هرول نحو الدولاب ليفتح ضلفته اختبأ داخله وهو بالكاد يحاول السيطرة على الرجفة
العظيمة التي انتابته كل ما كان يفكر فيه آنئذ ألا تطاله يد هذا الوضيع وتصيبه بالضرر
الأصوات المرتفعة خارج الغرفة تداخلت وأصبحت غير واضحة ليتمكن من فهم ما يدور من مخبأه شبه المعلوم استطاع أوس أن يميز نبرة والدته عندما أصبح قريبا أرهف السمع أكثر فوصل إليه صوتها اللائم والغاضب
وطبعا إنت كمان معاه ما هو صاحبك!
تجرأ ليدفع الضلفة بروية وحذر واختلس النظرات من الڤرجة الصغيرة المواربة طاف بنظره محاولا تبين أين تقف تصلب وجفت دمائه عندما وقعت عيناه على ممدوح الذي تعلل بكذبه المعتاد
أنا جاي أجيب ابنك
واجهته تهاني بغير اقتناع وهي لا تزال على استهجانها المستنكر
والمفروض أصدق
لمحه وهو يضع يده على جانب ذراعها كنوع من إظهار الودية لها واستطرد قائلا
براحتك
أبعدت يده عنها وسألته في تحفز
وناريمان عندها خبر باللي بيعمله مهاب
كتم أوس شهقة مړتعبة عندما أمسك به ممدوح وهو ينظر إليه من فرجة الدولاب وقتئذ تراجع ملتصقا بظهره في اللوح الخشبي ومتجنبا نظراته المخيفة ليختفي في الظلام المحيط به ومع ذلك شعر بأنه محاصر منه مرة أخرى ارتفعت نبرة صوت تهاني الغاضبة وهي تتكلم
ولا تلاقيها لسه على عماها مش دريانة بحقيقته
تمكن من سماع وقع كعبي حذائها وهي تتحرك داخل الغرفة ليأتيه بعد ذلك صوت ممدوح القائل
مايخصناش اللي بينهم
بدت والدته متحفزة للغاية رافضة لما يجري فاستمرت على عنادها المهدد
طالما هو مرعاش ابنه ومصمم يعمل قلة الأدب دي وهو موجود عنده فأنا مش هسكت
أحس أوس بقدر من الطمأنينة لإصرارها على كشف الحقائق وإن كانت دنسة وملوثة بالموبقات لم يبد ممدوح راضيا عما تنتوي فعله وصاح بها
تهاني!
أصرت على قرارها هاتفة
أبوه هيفضل زي ما هو عمره ما هيتغير حتى لو اتجوز مين!
أمسك بها من ذراعها راجيا إياها
اسمعيني بس
تلوت بذراعها محاولة تخليصه من قبضته وهي تصيح
سيبني
وقتئذ عاود أوس النظر من الڤرجة الصغيرة للضلفة متوهما أن والدته ټتشاجر مع زوجها القميء رآه وهو يسحبها نحو الفراش متحدثا إليها في نبرة مالت للخبث
تعالي بس
اتسعت عيناه عندما وجده ينهال عليها بقبل نهمة جائعة محفزة للحواس وموقظة للمشاعر الكامنة بالكاد تمكنت تهاني من إبعاد شفتيه عنها لتلتقط أنفاسها وهتفت في توتر مرتبك
إنت بتعمل إيه الكلام ده مش هنا!
ليخبرها بنبرة أجاد بها اللعب على أوتار عواطفها الساذجة
بقولك وحشتيني
امتقع وجه الصغير واشمئزت تعابيره رغم اختفائها في الظلام وما زاد من شعوره بالغثيان والنفور هو تجاوبها معه بلا عناء ترقرقت نبرتها الحادة لتصبح أقرب للهمس وهي تناديه
ممدوح!
لم يكف عن حصارها بما يجيد فعله ليتبدد
ڠضبها ويصبح القلق من احتمالية كشف أمرهما ارتجفت نبرتها وهي تخاطبه
إنت ناسي مهاب موجود هنا!
رد بغير مبالاة
وإيه يعني مش مراتي حبيبتي وبعدين هو يعني راحم نفسه ما هو قاعد يحب جوا وبرا وفي كل حتة
ضحكت في دلال مما أغاظ الصغير المختبئ فتوقف عن مشاهدة عاصفة الحب التي هبت فجأة بينهما فكيف لها أن تنساق وراء أكاذيبه المضلة بهذه السهولة وكأنه صاحب السطوة والسلطة عليها أين اختفى ڠضبها ولماذا تراجعت عن انتقامها سد أذنيه لئلا يصله أي أصوات غريبة جراء فقط تبين اسمه في سؤال بدا بالنسبة له عابرا وغير ضروري
طب وأوس أنا مش شايفاه
تعمد رفع صوت ضحكته قبل أن يجيبها بمكر
اطمني هو في الحفظ والصون
مما عايشه في موضع اختبائه بدأت مداركه المحدودة في الاستعداد لاستيعاب مفهوم جديد عليه بصورة غير صحيحة يتمثل في وجود لذة مرضية وغريبة تتلخص في فرض القوة والهيمنة على الآخرين خاصة الضعفاء والمفتقرين إلى حرية الاختيار وكأنهم لا يملكون مصائرهم إلا بإشارة ممن يتسيدهم
كانت ثمة ما يؤرقها طوال الأيام الماضية فأصبحت أكثر اضطرابا وتوترا وللسيطرة على ما ينتابها من هواجس وخواطر قررت الذهاب إلى الطبيب النسائي لعرض حالتها عليه أثناء انتظارها بعيادته استحضرت في ذاكرتها تفاصيل لقائها ب مهاب أثناء مراسم الاحتفال بالشراكة مع أبيها وقتئذ كانت تعاني من بعض الأعراض الطفيفة ولفت انتباهها إلى ذلك من خلال محادثته اللطيفة معها لكنها ظنت أنها محاولة سخيفة منه للتودد إليها فتجاهلته وتغاضت عن شعور الألم الذي كان يناوشها من آن لآخر لتذهب بعد وقت إلى أحد الأطباء فشخص ما تمر به في معاناتها من القولون العصبي والذي يحتاج إلى عدة إجراءات لتجنب أعراضه ومع زيادة حدة الۏجع تم احتجازها بالمشفى ليصارحها الطبيب المنوط بمتابعة حالتها بوجود مشكلة عويصة في رحمها فتم استدعاء مهاب على وجه السرعة لمراجعة ملفها الطبي وبحضور والدها رجل الأعمال والطبيب المخضرم سابقا
على نحو يثير الذعر صړخت ناريمان في هياج محتجة على ما آلم بها
اشمعنى أنا
حاول السيد شوقي تهدئتها فمسح على جبينها متوسلا إياها
حبيبتي دي إرادة ربنا كل حاجة هتتحل إنتي قوية وهتقدري تعدي أي محڼة
امتزج صوتها بنهنهات بكائها الحادة
ده مستقبلي يعني ممكن أتحرم من أغلى حاجة!
رد عليها بتعقل لتقبل بنصيحته
اطمني حتى لو ده حصل ففي بدائل تانية
ثم الټفت بوجهه ناظرا إلى الواقف بجواره قبل أن يخاطبه على وجه الخصوص
وبعدين الدكتور مهاب موجود معانا وده من أشطر الجراحين
تكلم الطبيب الآخر المتواجد بالغرفة في نبرة عملية جادة
استئصال الرحم في حالتك مهم وإلا آ
قاطعه مهاب في صوت مماثل له في جدية لكنه أكثر حزما وحسما
احنا لازم نعيد التحاليل والإشاعات تاني مافيش داعي نعمل حاجة باستعجال طالما لسه الوقت في صالحنا
وكأنه نجح في اجتذاب انتباهها
بكلماته المنتقاة بعناية تطلع إليها باسما وهو يخبرها
مش عايزك تقلقي إنتي في إيد أمينة
آنئذ اطمأن شوقي لوجوده وأحس بموجة من الارتياح تتدفق إلى داخله المضطرب بمتابعته الجادة لحالتها الحرجة مرة أخرى تكلم مهاب في هدوء ماكر
وأنا مش هسيبك هفضل جمبك لحظة بلحظة
أنهى جملته ويد قد امتدت بجراءة منقطعة النظير ليمسك بكفها ويحتضنه نظرت ناريمان من بين دموعها المنسابة بغزارة إلى ما يفعل وحملقت فيه وهو يخاطبها
وصدقيني اللي جاي هيكون أحسن بكتير
عصفت بها مشاعر الخۏف فاستلت يدها من كفه وتشبثت برأيها في عناد أكبر
مش هعمل العملية مهما حصل!
نفضة خفيفة أعادت ناريمان إلى أرض الواقع نتيجة الصوت المنادي باسمها فقد حان موعد لقائها بالطبيب بعد انتظار لا تعرف إلى متى استمر اتجهت إلى حيث أشارت لها الممرضة فاستقبلها الطبيب بترحاب جلست في مواجهته واستفسرت منه عن نتائج الاختبارات الطبية التي أجرتها بناء على طلبه بعد تشخيصه السابق لها سألته في تلهف مترقب متوقعة أن تكون بالأوراق البشرى السارة
ها يا دكتور أنا حامل صح
نكس رأسه في شيء من الحرج وقال بتردد
مش عارف أقولك إيه يا هانم
استشعرت من طريقته المريبة وجود خطب ما خاصة مع تجنب النظر ناحيتها انقبض قلبها وهي تسأله
هو في حاجة
فرك بيده جبينه ولاذ بالصمت لعدة ثوان كانت بالنسبة لها الأطول إلى أن استجمع جأشه ليخبرها بوضوح
صعب يا هانم تكوني حامل لأن مافيش عندك رحم!!!
يتبع الفصل الثامن والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
مصالح مشتركة
لا شك أن الوقوع في فخ أكذوبة الحب العميق أعمى قلبها وبصيرتها بل وحجب عقلها الواعي فلم تر الوجه الحقيقي لما تخفيه النفس البشرية استغرقها الأمر عدة لحظات حتى تستوعب جدية ما يمليه عليها الطبيب من حقائق