السبت 30 نوفمبر 2024

رحله الأثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 49 من 82 صفحات

موقع أيام نيوز


وغادر المنزل والبلدة بأسرها وهو مهموم الصدر ومفطور القلب فكيف تفعل به أمه ذلك وهو لم يسع طوال حياته إلا لإسعادها!
لو كانت الظروف مختلفة ومهيأة عن الوضع الحالي لأصبح صغيرها الغالي هو ابن الأحلام والأمنيات التي رجت حدوثها منذ نعومة أظافرها! لكن مع ما اختبرته وما عاشته من آلام ممزوجة بالمهانة والإذلال فهمت أخيرا أنها أخطأت الاختيار وما تمر به الآن هو نتيجة اختيارها غير الموفق بعينين غارقتين في الدموع أمعنت تهاني النظر في طفلها النائم نهضت من جواره لتسحب الغطاء على جسده انحنت على جبينه تقبله ثم منحته ابتسامة مشرقة رغم العبرات المنسابة التي تبلل وجنتيها 

اعتدلت
في
وقفتها وتجولت في غرفته بخطى بطيئة حذرة لئلا توقظه حتى بلغت النافذة الزجاجية الموصدة أزاحت الستارة البيضاء بخفة وأكملت حديث نفسها المكلومة
أنا اللي عملت كده في نفسي 
شردت بعقلها واستعادت اللحظات الحمقاء التي غفلت فيها عن رؤية وجهه الحقيقي وانساقت كالبلهاء وراء أكذوبة الحب الأعمى فما كان منها إلا أن هوت على أرض الواقع فانقسم ظهرها وتكسرت 
ابتلعت غصة مريرة جرحت حلقها وجالت ببصرها على السماء الظلماء الممتدة أمامها وهي تهمس
لو كنت صبرت ورضيت بحالي كان زماني متجوزة واحد محترم بدل ال 
بترت إھانتها في خوف غريزي كأنما تخشى أن يسمع ما فاهت به رغم غيابه عن البيت سحبت شهيقا عميقا لفظته على مهل وأردفت في أسى
مالوش لازمة تقهري نفسك كل شوية يا تهاني مابقاش منه فايدة 
التفتت برأسها للجانب لتنظر مرة ثانية إلى صغيرها ضحكة حياتها عفويا شقت ابتسامة صافية شفتيها العابستين وخاطبته في صوت خاڤت غير مسموع حتى له
إنت الحاجة الوحيدة اللي طلعت بيها من الجوازة دي 
مسحت بظهر كفها شلال الدموع المتدفقة لتدعو في تضرع
ربنا ما يحرمني منك أبدا 
ثم عاودت أدراجها واستلقت على الفراش محتضنة صغيرها ومتنعمة بدفء القرب منه 
ليلته كانت مختلفة مطعمة بكل ما تشتهيه النفس وتطمع فيه من مسرات الدنيا وترفها لم يدخر مهاب وسعه في الظفر بمتعها الشهية وملذاتها السخية عاد إلى منزله متأخرا مترنحا وآثار تلعب برأسه بالكاد نجح في فتح الباب صفقه پعنف فتسبب الصوت في إفزاعه ورغم ذلك ضحك بقهقهة مجلجلة كأن تصرفه الأخرق كان مسليا له  
تعرقل حينما سار في البهو فانكفأ على الأريكة استراح عليها وكركر ضاحكا وهو يتساءل بغير وعي
هو إيه اللي جاب الكنبة دي هنا
فرك جبينه وتوقف عن الضحك بصعوبة ليخاطب نفسه في انتشاء
لأ المرادي أنا تقلت في الشرب شوية بس حقيقي كانت تستاهل 
الجلبة التي تسبب بها جعلت حواسها تتيقظ وتنهض من جوار صغيرها بعدما غفت بجواره لتخرج من غرفته وهي تسير على أطراف أصابعها متسائلة في توتر مرتاع
مين برا
هيكون مين غيري!
جاء الرد سخيفا وسمجا من زوجها الذي لمحته مسترخيا على الأريكة يرفع ساقه فوق مسندها ويرخي الأخرى على الأرضية اقتربت أكثر منه وهي تردد بنبرة شبه هازئة
حمدلله على السلامة 
نظرة احتقارية سددها لها قبل أن يصيح بها وهو يتجشأ
امشي دلوقتي مش ناقص نكد 
فاحت منه رائحة الكريهة والنساء اللاهية وما يبعث الاشمئزاز العارم على النفس تغاضت عما تراه وسألته في هدوء مناقض لما يجيش في أعماقها
مهاب إنت هتنام هنا في الصالة
رد عليها بوقاحة وهو يطوح بقدمه في الهواء كأنما يطردها
بيتي وأنا حر فيه أنام في الحتة اللي تعجبني 
مجددا تجاوزت عن إهانته المتوارية وحاولت حثه على النهوض معها تجنبا لرؤية الخدم له وهو على هذه الحالة الفوضوية المنفرة انحنت عليه لترفعه من ذراعيه وهي ترجوه
طيب معلش تعالى معايا نروح الأوضة 
وكزها بكوعه في صدرها بقوة فتأوهت من الألم المباغت وتراجعت عنه لتحمي نفسها من بطشه الأهوج جرفتها موجة عڼيفة من الخۏف عندما هدرت منه صيحة مھددة
إنتي مين عشان تديني أوامر
كظمت ضيقها بصعوبة وأبدت اعتذارها الفوري
أنا أسفة بس آ 
قاطعها قبل أن تتم جملتها مواصلا وصلة لعنها المهينة
نسيتي نفسك ولا إيه صحيح تربية حواري!
كان يتكلم بعصبية بانفعال بهجوم غير مبرر ومع هذا طلبت منه بتريث حذر
اهدى يا مهاب الموضوع مش مستاهل كل ده!
شهقة غادرة انفلتت منها عندما اندفع تجاهها لينقض عليها أمسك بها من منبت ذراعها جرها پعنف للأمام وهو ېصرخ فيها
يالا غوري!
قوة الدفعة
جعلتها تنكب على
وجهها وتفترش الأرضية بجسدها تمكنت من حماية رأسها من الإيذاء في اللحظة الأخيرة ونظرت إليه في جزع لتردد بذهول مړعوپ
مهاب فوق إنت شارب ومش في وعيك!
وكأن طاقة من الڠضب المستعر قد اندلعت بداخله وهي تتلقى دفعة جديدة من التأنيب العڼيف المصحوبة بصياحه المجلجل
مايخصكيش إنتي مش هتتحكمي في اللي بعمله سامعة أنا حر في حياتي 
كان في غير وعيه انهال عليه بكل ما يعتريه من ۏحشية وقساوة غير مبال بأين تصيب ضړبته توقف عما يفعل ليدس أصابعه في شعرها المسترسل جذب خصلاته بشراسة فأجبرها على رفع رأسها إليه وهو يأمرها
ردي عليا
أجهشت بالبكاء وهي تتوسل إنسانيته الغائبة
خلاص حقك عليا أنا غلطانة 
ظل ممسكا بخصلاتها وأطبق بيده على عنقها بغتة فانحبست أنفاسها وانحشرت وصوته يخترق أذنها
أقولك على حاجة هتريحني منك
انقطعت أنفاسها تماما بل تكاد تجزم أن قلبها توقف عن النبض عندما هسهس كفحيح الأفعى
إنتي طالق!
نظرت له بعينين جاحظتين وهذا التعبير المصډوم يجتاح كامل وجهها فجأة تركها وهو يجلس ضاحكا أمامها كأن ما نطق به أسعده في حين استوعبت تهاني الکاړثة المفجعة التي حلت عليها لتهتف بصوتها المتحشرج
مهاب!
تزحف الأخير على يديه وقدميه حتى بلغ الأريكة لم يكن قادرا على الوقوف باستقامة فجلس عليها مريحا ظهره للخلف سلط عينيه الخاليتين من الحياة عليها ظل يرمقها بنظرات مستمتعة وهو يراها تتخبط بعجز جم قبل أن يخبرها مؤكدا ومشددا على ما سبق وردده
أيوه زي ما سمعتي إنتي طالق يا تهاني طالق!
لطمت على صدغيها في ړعب جلي وانتفضت واقفة لتسأله بغير تصديق
إنت واعي للي بتقوله دي المرة التالتة يا مهاب! المرة التالتة!
لم يبد مباليا على الإطلاق بما فعل بل عاد لاسترخائه الأول كما كان وعلق
ولو حتى العاشرة أو المليون إنتي طالق 
ازداد صوت نحيبها فأمرها في غلظة
ويالا بقى من هنا وسبيني أنام 
سرعان ما تحولت نبرته للټهديد غير المتساهل عندما أكمل
ولا تحبي أرميكي برا خالص
ظنت أنه مقبل على تنفيذ ما قاله فقد سبق وفعل لهذا أثرت ألا تختبر صبره وفضلت التراجع عن مواجهته غير المجدية حاليا هرولت ركضا بعيدا عنه وهي تخاطب نفسها في إنكار متعاظم
لأ استحالة ده يكون حصل مش معقول يطلقني بالشكل ده!!
سيطر عليها الخۏف بطريقة طاغية وتضاعفت الرجفات بها اختفت بداخل غرفة ابنها وأوصدت الباب بالمفتاح كأنما تخاف من احتمالية اقتحامه للغرفة وجرها للخارج استندت بظهرها المرتعش على إطار الباب الخشبي وهي تتساءل
طب هتصرف إزاي
تحولت عيناها الفزعتان إلى الفراش لترتكز على وجه طفلها النائم في سلام قبل أن ترتعش شفتاها هامسة باسمه
ابني أوس!!!
كانت قد بدأت تستغرق في نومها عندما تنبهت حواسها مع سماعها لصوت صرير باب الغرفة وهو يفتح اعتدلت في رقدتها لتنظر إلى زوجها الذي عاد لتوه من الخارج ألقى عليها التحية فردت عليه وسحبت منديل رأسها من على الكومود المجاور لها لتضعه حول شعرها المهوش عقدت طرفيه معا وهمهمت في استغراب
أنا قولت إنك هتبات هناك!
زوى ما بين حاجبيه سائلا في نبرة معاتبة
وأسيبك لوحدك 
تعجبت من موقفه الغريب وردت عليه بتحير
ما إنت بتروح للموالد بتاعتك اللي في آخر الدنيا وبتفضل هناك بالكام يوم إيه الجديد يعني
أجابها متبسما
ده عشان خاطر أكل العيش بس إن كان عليا ماسبكيش لوحدك 
اعتبرت ما قاله نوعا
من التقدير المعنوي لصبرها فابتسمت له
ابتسامة مجاملة وكأن لكلماته التأثير عليها لكن ما لبث أن اختفت هذه الابتسامة الصافية لتتحول إلى العبوس وهو يخبرها
بالحق أمي بعتالك السلام 
نظرت له مليا وبغير اقتناع كما لو كانت كذبته المكشوفة لا تنطلي عليها بينما تكلم عوض من غير أن ينظر نحوها
وبالأمارة سألت عليكي دي كانت عاوزة تشوفك!
لوت ثغرها مغمغمة في امتعاض
كمان
مد يده ليربت على ذراعها مؤكدا لها بما يخالف ما تضمره والدته حقا في قلبها ناحيتها
أومال مش مرات ابنها الغالية
لم تستسغ سماع المزيد من هذا اللغو الفارغ فسألته في استهجان وبلهجة مالت للتحقيق
ومن إمتى المحبة دي وهي مكانتش طايقني نهائي
قبل أن يفكر في التبرير الكاذب حذرته بلهجة جادة وبتعبير أكثر جدية عن صوتها
مالوش لازمة تقول حاجة محصلتش يا عوض أنا لسه فاكرة طريقتها كانت معايا إزاي!!
حاول التغطية على ادعائه غير الحقيقي بترديده
ربنا لما بيريد بيغير القلوب 
نظرت له مطولا فتنحنح مرة أخرى واستأذنها في حبور
مش هتقومي تحضري أكلة حلوة لينا من إيديكي خلينا ناكل ونتبسط سوا 
هزت رأسها بالإيجاب وهي تنهض من جواره استعدادا لذهابها
حاضر 
نفضة غريبة ضړبت أطرافه جعلته يفيق من سباته بصعوبة بالكاد استطاع تحريك ذراعه بعد هذا التنميل المزعج الذي أصابه ليقوم بعدئذ بحك مؤخرة عنقه محاولا تخفيف وطأة ذلك التيبس الذي حل كذلك
بفقراته بعدما غرق في نوم عميق على هذه الأريكة غير المريحة استفاق مهاب تماما وطاف ببصره على ما يحيط به اعتدل جالسا وتساءل وهو يتثاءب
هو أنا نمت هنا ولا إيه
نزع عنه رابطة عنقه وراح يحل أزرار قميصه المتعرق والذي جعل أنفه ينفر من رائحة جسده غير اللطيفة ليبدأ في المشي بروية تجاه غرفته وجد زوجته ترتدي ثياب العمل وجالسة على طرف الفراش وكأنها في انتظاره ألقى نظرة سريعة على تعبير وجهها الغائم قبل أن يسألها
في إيه مالك ضاربة بوز على الصبح كده ليه
لم تنبس بكلمة فأولاها ظهره وخلع عنه قميصه متابعا كلامه إليها
الناس لما بيشوفوا بعض بيقولوا صباح الخير مش يدوا وش النكد ده
حينئذ نهضت واقفة وسألته في تحفز
مهاب إنت مش فاكر عملت إيه إمبارح لما رجعت!!
حانت منه نظرة جانبية غير مهتمة وهو يكمل نزع ثيابه غير النظيفة بالتدريج سحب من الرف ثيابا مرتبة تركها على طرف الفراش واستعد للذهاب إلى الحمام للاغتسال لحقت به تهاني عندما طال تجاهله لها مرددة في صوت شبه مرتفع وغاضب
إنت طلقتني!
التف كليا تجاهها وهتف في صدمة غريبة
نعم
أخبرته في حړقة ووجهها قد أصبح أكثر حمرة
أيوه طلقتني ودي المرة التالتة!
سكت قليلا كأنما يحاول استحضار ما دار بالأمس على عكسها كليا كان باردا في رده
أكيد إنتي استفزتيني ما أنا عارفك 
لم تصدق اتهامه المغيظ ودافعت عن نفسها بشدة فاستطردت قائلة
والله ما حصل ومصدقت تطلقني 
اكتفى بهز رأسه فاشتاطت ڠضبا لاستهانته بهذه المسألة الحرجة وسألته في إلحاح
إيه العمل دلوقتي
استل منشفة نظيفة من أحد الأدراج وعقب
سبيني أفكر 
ظلت تستجديه في توتر
 

48  49  50 

انت في الصفحة 49 من 82 صفحات